(أنا افكر ... إذن أنا موجود (ديكارت.
- sana omar
- Dec 18, 2018
- 3 min read
أثناء قرأتي، وقع في يدي دراسة عن التعليم الإبداعي .. واتخذ الباحث من اليابان نموذجاً لدراسته .. حيث ركزت اليابان على التعليم من أجل الإبداع وليس التعليم من أجل التعليم.
حيث يتميز الطالب الياباني بالتفوق من حيث الإستعداد والتقبل والاحساس بضرورة امتلاك روح الإبتكار. فمنذ عام 1868م والتعليم في اليابان يمر بمراحل تتالت فيها البحوث حول عالم الإبداع وكيفية غرسه كسلوك ايجابي مبكر لدى الطالب الياباني في جميع مراحل التعليم، ويوفر النظام التربوي الياباني أفضل الحوافز المادية والمعنوية للمعلمين لكي يقدموا أعلى كفاءة ممكنة. واكتبست أساليب التحفيز وتنمية التفكير والإبداع شعبية وانتشاراً كبيراً في أوساط المتعلمين والمربين في اليابان.
يمتاز الطلاب اليابانيون بأن لديهم دوافع قوية ورغبة كبيرة جداً نحو العمل والمنافسة الجادة فيما بينهم للظفر بالتعليم العالي، أي أن التعليم الجامعي ليس لكل من هب ودب بل 40% فقط من طلاب الثانوية يدخلون الجامعات.
وتتمثل مصادر أوآليات الإبداع الرئيسية لدى اليابانيين في التخيل والحدس، فالخيال هو ما يلجأ إليها الإنسان في سعيه نحو الأفكار والتصورات والخبرات الجديدة وغير المألوفة، والإبداع هو القدرة على التخيل والذي يُمكن الفرد من تفكيك الأطر والمعتقدات الإدراكية الموجودة لديه وإعادة تكوين أفكار ومشاعر وتصورات جديدة وتكوين روابط ذات معنى بين هذه الأفكار والمشاعر والتصورات ومن ثم تنمية التفكير الإبتكاري والإبداعي..
الآلية الثانية من آليات الإبداع هي رحابة الصدر، اليابانيون يتميزون برحابة الصدر تجاه الأمور الغامضة في تكوين الشخصية الإبداعية، ويتسمون بالصبر والإصرار على معرفة كل غامض وجديد.
أما الآلية الثالثة فهي المرونة، وتعني التجديد المتواصل وسرعة الخروج من القوالب الجامدة والتكييف الفاعل تجاه البيئات والمواقف الجديدة.
ولم تأتي هذه الآليات والسمات للطالب الياباني من فراغ، إنما من تكامل منظومة متعاونة لها هدف واحد. فقد تكون التعليم الياباني وتطور انطلاقا من فلسفات علمية مدروسة من خبراء في التربية والتعليم وقد ركزت على بناء الشخصية الإبداعية بدأ بمرحلة الطفولة وصولاً إلى مرحلة الشباب والكوادر المتخصصة في مجالات الهندسة والصناعة التكنولوجية الحديثة. وبالرغم من أن اليابان لا تنفق على التربية والتعليم بالقدر الكبير، إلا أنها تملك أقوى نظام تربوي في العالم، وتمكن اليابانيون من احتلال الريادة العلمية من خلال الجمع الأمثل بين معطيات الحضارة الغربية المعاصرة وثقافتهم الشرقية، فخلقوا معجزات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
هذا بالطبع عكس ما هو واقع في معظم بلداننا العربية التي تركز على تخريج الكم دون النظر إلى النوع أو الجودة العلمية والعملية، بل أن المتخرج لا يقوى في معظم الأحيان على التكيف في الحياة العملية إلا بعد سنوات من الخبرة وكل ما اكتسبه خلال فترة التعليم الجامعي حبرا على ورق لا علاقة بين تعلمه ووظيفته، هذا هو الحال في كثير من التخصصات وخريجيها عاطلين في سوق العمل.
إن الأنظمة التعليمية العربية لا تساهم في صنع مستقبل المجتمع، فهي تجتر الماضي سواء كان ماضيها أو ماضي غيرها، دون الوقوف والتأمل لصناعة مستقبل جديد، هي أنظمة مهترأه لا مكانه للمعلم ولا للعلم ولا تضع للتعليم الميزانية المطلوبة، هذه الأنظمة تسهم بلا شك في تأخر المجتمع وتخلفه، وبالتالي تصبح عبئاً ثقيلاً لا تنتج سوى البطالة والجهل.
وبالرغم من وجود عدد هائل من المنظمات والمراكز والباحثين العرب المتخصصين في مجال التربية والتعليم، نرى أن نتائج نظام التعليم التقليدي في مختلف المراحل الدراسية يوضح تدني مستوى تفكيرنا، والواقع يشير إلى أننا نخرج أعداد هائلة من الطلبة الذين تظهر قدراتهم في تذكر وإستدعاء المعلومات بينما يفتقرون إلى القدرة على إستخدام تلك المعلومات في إتخاذ القرارات أو الإختيار بين بدائل معينة لتحديد مصير أو حل مشكلة. وكما أن أغلب أهداف التعليم في الدول العربية لا تحمل أهدافاً لإعداد المواطن للمستقبل، فأغلب المواد التعليمية عن الماضي أو الحاضر، مع أن التعليم بطبيعته هو عملية مستقبلية.
إن مستقبل امتنا يتوقف فعلياً أمام تطور مستوى التربية والتعليم، حيث يصنع نظام التعليم حاضر ومستقبل الأمم شرط أن يحصل على دعم وتبني سياسة الدولة والمجتمع.
ينبغي تعليم الطلاب مهارات التفكير الإبداعي في المدارس والجامعات، لكن الملاحظ أن الطابع العام السائد في وضع المناهج الدراسية هو حشو عقول الطلبة بالمعلومات، والإفتراض بأن عملية مراكمة كم هائل من المعلومات والحقائق كافية لتنمية مهارت التفكير الإبداعي لدى الطلبة، ويتركز دور المعلم على عملية نقل وتوصيل هذه المعلومات بدل التركيز عل توليدها أو استعمالها، وقد يقاومون التغيير إذا بادر أحد المعلمين وخرج على المألوف.
إن مؤسساتنا التعليمية نادراً ما تهيئ للطلبة فرصاً كي يقوموا بمهمات تعليمية نابعة من فضولهم أو مبنية على تساؤلات يثيرونها هم بأنفسهم، كما لا تراعي ميول الطلبة أو الفروق الفردية بينهم، وتعتمد الواجبات المنزلية على حل تمارين مكتوبة أو تحضير أجزاء من مادة الكتاب المقرر أو الكتابة في موضوعات يختارها المعلم. ويعتمد تقييم أداء الطالب على امتحانات مدرسية بها أسئلة تتطلب مهارات معرفية متدنية، منسوخة في عقل الطالب بعد أن حفظها من الكتاب المدرسي، وكأنها تمثل نهاية المطاف بالنسبة للمنهج وأهداف التعليم.
إن التعليم من أجل الإبداع شعار جميل نرفعه ونريده ونتمناه، فإننا بحاجة إلى النوع وليس الكم. يجب النظر بجدية للتجارب الناجحة وتحديد إيجابياتها وأخذ العبرة منها وإعادة النظر في منظومتنا التعليمية. ونحن كعرب نملك الطاقة التنموية والكفاءات اللازمة والعقول المبدعة، فدفعة بسيطة إلى الأمام قد تحول واقعنا المبهم إلى واقع محظوظ لاجيالنا القادمة.
Comments